ميادة ابو يونس تكتب عن يهود بلا وطن

إسلام جمال6 ديسمبر 202271 viewsLast Update :
ميادة ابو يونس تكتب عن يهود بلا وطن

منذ عهد الإنسان الأول خُلق الدين ليهب للبشرية كمالها الإنساني، فالعقائد جاءت لتشكل طباعَ وسلوكيات الإنسان بل لترسي ناموسًا أخلاقيًا ينظم العقل الجمعي للشعوب أو القبائل، ويحتوي التاريخ الديني على العديد من المرويات والقصص الرمزية التي تهدف إلى إعطاء طريقة للحياة، كما حرصت بعض الأديان على تقديم شروحاتٍ متعلقةٍ بالبداياتِ الغابرةِ فيما يخص ماهية العالم والوجود، وقدمت هذه التصورات في صياغة تتلاءمُ مع الوعي المعرفي لتلك الشعوب، ويحاول الدين أن يقدم تصورًا جديدًا لتعديل المفاهيم المتعلقة بالأعراف والتقاليد، ويعيد تشكيلَ الجماعةِ أو القبيلة بما يتلاءم مع العادات الدينية؛ ولذلك فهو يحطم بعض التابوهاتِ التقليديةِ ليقدم ركائز إنسانية وأخلاقية تتسق مع العدالة والخيرية.

في البدء كان التوحيد هو قلب كل العقائد بينما مثّل العملُ الصالحُ حجرَ الزاوية الذي بُني عليه الإيمان باليوم الآخر، كانت التجربة الدينية آنذاك هي تجربة ذاتية لا تخضع للتعميم ولكنها في الوقت نفسه تقر بأنَّ الله موجود في قلب كل الحقائق، وما لبثت أن اتسعت حلقة الدين لتشمل جوهرًا أكثر عمقًا، ألا وهو (الشريعة) وهي بمثابة المنهج الرباني للعباد بما يتسق مع متطلبات العصر الجديد الذي لم يعد يخاطب جماعة أو قبيلة بمعناها البدائي بل مجتمعًا حداثيًا متعددَ الطبقات، فبداية من آدم حتى إبراهيم لم يكن هناك ثمة شريعة بل طريقة للحياة تعتمد في جوهرها على التوحيد، بينما من موسى النبي أُضيف تصورٌ عقائديٌّجديدٌّ مثّل دستورًا فقهيًا وسياسيًا ليس لتقويم سلوك جماعة فحسب بل لتأسيس دولة بمعناها الحضاري والعسكري.

يحظى موسى النبي بمكانة قصوى في العقيدة اليهودية إذ إنه لا يمثل قائدًا دينيًا فحسب بل عسكريًا بالنسبة للوجدان اليهودي الذي جعل النبي يحتل مرتبةً مقدسةً بعد الرب (يهوه) مباشرًا والتي تعني لفظًا (الله الذي هو) أو الخالق.

تحظى العقيدة اليهودية بمكانة خاصة لدى الشعوب وأصحاب العقائد السماوية الأخرى إذ يؤمن المسيحيون بالديانة اليهودية شكلًا وموضوعًا، بينما لا يقبل اليهود بالعقيدة المسيحية، وكذلك يؤمن المسلمون حول العالم إيمانًا لا تشوبه شائبة بموسى النبي (حبيب الله) وكذلك بالتوراة ككتابٍ منزلٍ من السماء، وإن كان يعتقد العوام من المسلمين بأن هذه التوراة قد لحقها العديدمن التحريفات، واختلفوا حول ماهية هذه التحريفات فالبعض يعتقد أن توراة موسى قد تبدلت أو حُرفت بالكامل ولم يعد يبقى منها أثرٌ حيٌّ إلى الآن بينمايعتقد البعض الآخر بأن التحريف أو التبديل لا يعني التلاعب بالنص التوراتي الأصلي ولكنه تحريف المعنى عن مضمونه ومقاصده الشرعية، بينما لا يؤمن اليهود بأي من العقائدِ الأخرى ولا بأي فصيلٍ دينيٍّ غيرِ يهودي.

تعد العقيدة التوراتية من أولى العقائد التي رسخت لفردانية الألوهية، ووضعت ما يسمى بقانون الإيمان اليهودي وهو ما نصه ابن ميمون بأن اللهَ موجودٌ وواحدٌ ولا يشبهُ أحد، وكونه خالدًا، ووحده المقصودبالعبادة ولا أحد سواه، ويثيب ويعاقب ويعلم أفكار البشر، وأن موسى أعلى الأنبياء درجة، وأن التوراة تسلمها موسى مباشرةً من ربه لذا فهي كلام الله المنزل لايقبل الشك أو التعديل.

وهنا لابد من معرفة ما تشير إليه لفظًا ومضمونًا كلمة توراة..

فهي لفظًا تعني التعليم أو الشريعة وهي تنقسم انقسامين الأول: مصطلح يشير إلى الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى. والثاني: مصطلح يشير إلى التوراة الشفاهية المنقولة من خلال الحاخامات اليهود، ويمثلها التلمود وهو مجموعة من آراءٍ وشروحاتٍ فقهية لرجال الدين اليهودي عما ورد ذكره نصًا في الأسفار الخمسة.

بينما يؤمن اليهود المتصوفون بأن التوراة هي الحكمة وأن هناك تماثل بين الله والتوراة فإذا عاش الإنسان وفق التوراة وأصبح (متسفاه) أي ملتزمًا بأوامر التوراة ونواهيها أصبح يحيا في الحضرة الإلهية، ويمتزج مع الكيان النوراني، و تمثل التوراة فكرة سابقة على خلق العالم فهي كلام الله الأزلي، وهذا وفق التصور الكلاسيكي اليهودي.

التوراة في مجملها تنقسم إلى:

شق تاريخي يتناول الأحداث والمرويات التاريخية التي حدثت مع شعب الله المختار بداية من يوسف النبي وحتى حرق الهيكل 70 ميلاديًا.

وشق ديني آخر يتناول الوصايا الأخلاقية والدينية الخاصة بطقوس الصلاة والقرابين والأضحيات وتقديس يوم الرب وهي بمثابة معاهدة بني إسرائيل مع الرب أثناء تواجدهم في منطقة سيناء عند جبل حوريب.

وتنطوي التوراة على ما ورد في

لوحي العهد والشهادة فاللوح الأول به الوصايا العشر وهي:

أن تحب الرب إلهك كنفسك.

لا تصنع إلهًا مسبوكًا.

لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا.

أذكر يوم السبت لتقدسه.

أكرم أباك وأمك كي تطول أيامك على الأرض.

لا تقتل.

لا تزنِ.

لا تسرق.

لا تشهد على قريبك شهادة زور.

لا تشتهِ متاع أو بيت قريبك.

أما اللوح الثاني فيتميز بطقوسيته فيما يخص عقيدة الطهارة، وتقديس عيد الفصح وكيفية تقديم القرابين وطقوس الأضحيات، والتي لابد أن تكون البكر من المواشي والبكر من الزروع.

ويقول (فراس السواح) الباحث والمفكر في تاريخ الأديان عما نصته التوراة فيما يخص طقوس القرابين: “يفترض مجتمعًا زراعيًا على عكس المجتمع البدوي الصحراوي الذي عاش به اليهود في تلك المرحلة التاريخية مما يعني أن هذه الأسفار لم تكتب بصورتها النمطية الأولى بل تم تعديلها لتتلائم مع الواقع الجديد”.

وهذا يختلف مع الاعتقاد السائد بأن الأسفار الخمسة هي أسفار موسوية كتبت بواسطة موسى النبي، ويعتقد اليهود في المجمل أن التوراة بشقيها النصي والشفاهي كلام الله إلى شعبه، وأن النص الحالي للتوراة قد خضع للعديد من التدقيق التاريخي والأدبي، ولم يتم اعتماد بعض النصوص غير القانونية داخل الكتاب المقدس بنسختها المعترف بها حاليًا، ولا يعترف اليهود في الأغلب بالكتب غير القانونية، وهي تعود إلى نسخة الترجمات السبعينية للكتاب المقدس، والتي اعتمدت في الإسكندرية في القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد، وضمت بعض القصص التاريخية التي أنكرها اليهود أنفسهم، وآمنت بها الكنيسة الكاثوليكية ومنهم

(يهوديت-طوبيت-المكابين…وغيرهم).

ليس ثمة شك بأن العقيدة اليهودية عقيدة مفعمة بالنص التاريخي الذي لا يخلو من

العركات السياسية أحيانًا، وقد أفردت الأسفار في ذكر التاريخي بشقيه الديني بما يمثله تاريخ الأنبياء، أو السياسي وما يمثله من أحداث الملوك وما روي عنهم من انتصاراتٍ أو هزائمَ.

فهي إذن عقيدة دينية ذات خلفية سياسية مفعمة بالصراعات الثقافية، ويمكن القول إن أزمة العقل اليهودي على الأغلب هي أزمة سياسية أكثرمن كونها دينية؛ وذلك لأنها عقيدة غير تبشيرية في الأساس، فهم جماعات رحل منغلقة ثقافيًا لا تقبل الولوج إليها أو الخروج عنها، ولكنها تقع على الدوام فريسة صراع سياسي ما، فهم منذ القدم جماعات بدائية تبحث عن موطن، وعن كيان مستقر تحقق من خلاله دولة عسكرية مستقلة ذات طابع ديني.

ستجد بمنتهى اليسر أن أغلب المعارك اليهودية لم تكن دينية على الإطلاق بل سياسية حتى وإن أخفت الهدف الديني، على عكس الغزو الإسلامي والحروب الصليبية، اللذين أخذا الدين شعارًا لتبرير نشر الفوضى باسم العقيدة، واجتياح العالم وإخضاعه تحت لواء ديني، بينما تمثل الصراعات اليهودية صراعات سياسية بحتة، حتى وإن أضمرت الغرض الديني، يبقى الغرض السياسي هو الستار الظاهر على عكس الغزوات الإسلامية التي أظهرت الديني وأضمرت السياسي.

إذن فاليهود عاشوا كقبائل رحل لفترات طويلة جدًا امتدت إلى عشرات السنوات حتى بعد مجيء موسى النبي، وظلوا على هذه الحال لأعوام وحتى بعد دخولهم منطقة فلسطين، بقوا كقبائل تعيش في الظهير الصحراوي لمنطقة فلسطين حتى جاء الملك شاول أول زعيم قبلي موحد، قبل شاول الملك لم يكن اليهود إلا شرذمة منتشرة في صحراء فلسطين، يقتاتون على قطع الطرقات وسرقة القوافل التجارية، ولكن بعد أن توحدوا بقيادة شاول وذلك عام 1000ق.م، كونوا ما يسمى بالدولة اليهودية، ثم جاء داود

ثم سليمان الملك الذي حول القدس إلى عاصمة روحية، وأسس بها أول معبد في التاريخ اليهودي، وهو ما عرف باسم “هيكل سليمان” والذي تم تدميره كاملًا على يد جنود

نبوخذ نصر الحاكم البابلي الذي غزا أورشاليم ودمرها عن بكرة أبيها، ومنذ ذلك السقوط اليهودي على يد البابليين لم تستعد اليهود هيبتهم لقرون عديدة.

Breaking News